سورة الواقعة - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ} أي تقذفونَ في الأرحامِ من النطفِ وقرئ بفتحِ التاءِ من مَنَى النطفةَ بمعنى أمنَاها {ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ} أي تقدرونَهُ وتصورونَهُ بشراً سوياً {أَم نَحْنُ الخالقون} له من غيرِ دخلِ شيءٍ فيه، وأم قيل: منقطعةٌ لأن ما بعدها جملةٌ فالمعنى بل أنحنُ الخالقونَ على أنَّ الاستفهامَ للتقريرِ وقيل: متصلة ومجىءُ الخالقونَ بعد نحن بطريقِ التأكيد لا بطريقِ الخبريةِ أصالةً {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت} أي قسمنَاهُ عليكم ووقتنا موتَ كلِّ أحدٍ بوقتٍ معينٍ حسبما تقتضيهِ مشيئتنا المبنيةُ على الحكمِ البالغةِ وقرئ: {قدَرْنا} مخففاً {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي إنا قادرونَ {على أَن نُّبَدّلَ أمثالكم} لا يغلبنا أحدٌ على أن نُذهبكم ونأتَي مكانَكم بأشباهِكم من الخلقِ {وَنُنشِئَكُمْ فِيمَا لاَ تَعْلَمُونَ} من الخلقِ والأطوارِ ولا تعهدون بمثلها قال الحسنُ رحمه الله أي نجعلكم قردةً وخنازيرَ وقيل: المَعْنى وننشئكم في البعثِ على غيرِ صوركم في الدُّنيا فيمن هذا شأنُه كيف يعجزُ عن إعادتِكم وقيلَ: المعنى وما يسبقنا أحدٌ فيهرب من الموت أو بغير وقته وعلى أن نبدل إلخ إما حالٌ من فاعل قدرنا أو علةٌ للتقديرِ وعلى بمعنى اللام وبينهما اعتراضٌ.
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى} هي خلقُهم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغةٍ وقيل: هي فطرةُ آدمَ عليه السلامُ من الترابِ {فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} فهلا تتذكرون أنَّ من قدرَ عليها قدر على النشأةِ الأُخرى حتماً فإنه أقلُّ صنعاً لحصولِ الموادِّ وتخصيصِ الأجزاءِ وسبقِ المثالِ وفيه دليلٌ على صحةِ القياسِ وقرئ: {فَلْولاَ تذكُرُون} من الئلاثيِّ وفي الخبرِ عجباً كلَّ العجبِ للمكذبِ بالنشأةِ الْاخرةِ وهو يرى النشأةَ الأولى وعجباً للمصدق بالنشأة الآخرةِ وهو يسعى لدار الغرور.
{أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} أي تبذرونَ حبَّه وتعملونَ في أرضِه {ءَأنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تنبتونَهُ وتردونه نباتاً يرفّ {أَمْ نَحْنُ الزرعون} أي المنبتونَ لا أنتمُ والكلامُ في أم كما مر آنفاً {لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حطاما} هشيماً متكسراً متفتتاً بعد ما أنبتناهُ وصارَ بحيثُ طمعتم في حيازة غلالِه {فَظَلْتُمْ} بسبب ذلك {تَفَكَّهُونَ} تتعجبونَ من سوءِ حالِه إثر ما شاهدتُموه على أحسن ما يكون من الحالِ أو تندمونَ على ما تعبتُم فيه وأنفقتُم عليه أو على ما اقترفتُم لأجله من المعاصِي فتتحدثون فيه والتفكّه التنقلُ بصنوفِ الفاكهةِ وقد استعير للتنقلِ بالحديثِ وقرئ: {تفكَّنُون} أن تتندمونَ وقرئ: {فظِلتم} بالكسرِ و{فظللِتُم} على الأصل.


{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أي لملزَمون غرامةَ ما أنفقنا أو مهلكونَ بهلاكِ رزقِنا من الغَرام وهو الهلاكُ وقرئ: {أَئِنَّا} على الاستفهامِ والجملةُ على القراءتينِ مقدرة بقول هو في حيز النصبِ على الحاليةِ من فاعل تفكهون أي قائلين أو تقولون إنا لمغرمون {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حُرمنا رزقَنا أو محارَفون محدودون لا حظَّ لنا ولا بختَ لا مجدودون.
{أَفَرَءيْتُمُ الماء الذى تَشْرَبُونَ} عذباً فراتاً، وتخصيصُ هذا الوصفِ بالذكرِ مع كثرة منافعهِ لأن الشربَ أهم المقاصدِ المنوطةِ به {ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن} أي من السحابِ واحدُه مُزْنَةٌ وقيل: هو السحابُ الأبيضُ وماؤه أعذبُ {أَمْ نَحْنُ المنزلون} له بقدرتنا {لَوْ نَشَاء جعلناه أُجَاجاً} مِلْحاً زُعاقاً لا يمكن شربُه وحذفُ اللامِ ههنا مع إثباتِها في الشرطيةِ الأولى للتعويلِ على علم السامعِ أو الفرقِ بين المطعومِ والمشروبِ في الأهميةِ وصعوبة الفقدِ والشرطيتانِ مستأنفتان مسوقتانِ لبيانِ أن عصمتَهُ تعالى للزرع والماءِ عما يُخلُّ بالتمتعِ بهما نعمةٌ أخرى بعد نعمةِ الإنباتِ والإنزالِ مستوجبةٌ للشكرِ فقوله تعالى: {فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} تحضيضٌ على شكرِ الكلِّ {أَفَرَءيْتُمُ النار التى تُورُونَ} أي تقدحونها وتستخرجونَها من الزنادِ {ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} التي منها الزنادُ وهي المَرخُ والعَفارُ {أَمْ نَحْنُ المنشئون} لها بقدرتنا والتعبيرُ عن خلقِها بالإنشاءِ المنبىءِ عن بديعِ الصنعِ والمعربِ عن كمالِ القدرةِ والحكمةِ لما فيه من الغرابةِ الفارقةِ بينها وبين سائرِ الشجر التي لا تخلُو عن النارِ حتى قيل: في كل شجرٍ نارٌ واستَمجد المرخَ والعَفار كما أن التعبيرَ عن نفخِ الروحِ بالإنشاءِ في قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقَاً آخَر} لذلك.


وقوله تعالى: {نَحْنُ جعلناها تَذْكِرَةً} استئنافٌ مبينٌ لمنافعِها أي جعلناها تذكيراً لنارِ جهنَم حيثُ علقنا بها أسبابَ المعاشِ لينظروا إليها ويذكروا ما أُعدوا به من نارِ جهنَم أو تذكرةً وأنموذجاً من نارِ جهنَم لما رُويَ عن النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ: «نارُكم هذه التي يوقِدها بنُو آدمَ جزءٌ من سبعين جُزءاً من حرِّ جهنَم» وقيل: تبصرةً من أمرِ العبثِ فإنه ليسَ بأبدعَ من إخراجِ النار من الشيءِ الرطبِ {ومتاعا} ومنفعةً {لّلْمُقْوِينَ} للذين ينزلونَ القَواءَ وهي الفقرُ وتخصيصُهم بذلك لأنهم أحوجُ إليها فإن المقيمينَ أو النازلينَ بقرب منهم ليسوا بمضطرين إلى الاقتداحِ بالزنادِ، وقد جُوز أن يرادَ بالمقوين الذين خلتْ بطونُهم ومزاودُهم من الطعامِ وهو بعيدٌ لعدم انحصارِ ما يهمهم ويسدُّ خللَهم فيما لا يؤكلُ إلا بالطبخِ وتأخيرُ هذه المنفعةِ للتنبيهِ على أن الأهم هو النفعُ الأخروي. والفاءُ في قوله تعالى {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} لترتيبِ ما بعدَها على عددٍ من بدائعِ صنعهِ تعالَى وروائعِ نعمِه الموجبةِ لتسبيحهِ تعالى إما تنزيهاً له تعالى عما يقوله الجاحدون بوحدانيةِ الكافرون بنعمتِه مع عظمِها وكثرتِها أو تعجباً من أمرِهم في غمطِ تلك النعمِ الباهرةِ مع جلالةِ قدرِها وظهورِ أمرِها أو شكراً على تلك النعمِ السابقة أي فأحدِثْ التسبيحَ بذكرِ اسمِه تعالى أو بذكرِه فإن إطلاقَ الإسم للشيءِ ذكرٌ له والعظيمُ صفةٌ للاسمِ أو الربِّ {فَلاَ أُقْسِمُ} أي فأقسمُ ولا مزيدةٌ للتأكيد كما في قوله تعالى: {لّئَلاَّ يَعْلَمَ} أو فَلأنا أقسمُ فحذف المبتدأ وأُشيع فتحةَ لام الابتداء، ويعضده قراءةُ من قرأَ فلأقسمُ أو فلا ردَّ لكلامٍ يخالفُ المقسمَ عليه، وأما ما قيلَ: من أنَّ المعنى فلا أقسمُ إذاً لأمرٍ أوضحَ من أنْ يحتاجَ إلى قسمٍ فيأباه تعيينُ المقسَمِ به وتفخيمُ شأنِ القسمِ به {بمواقع النجوم} أي بمساقطِها وهي مغاربُها وتخصيصُها بالقسم لما في غروبها من زوالِ أثرِها والدلالةِ على وجودِ مؤثرٍ دائمٍ لا يتغيرُ أو لأن ذلكَ وقتُ قيامِ المتهجدينَ والمبتهلينَ إليه تعالى وأوانُ نزولِ الرحمةِ والرضوانِ عليهم أو بمنازلها ومجاريها فإنَّ له تعالَى في ذلك من الدليلِ على عظمِ قُدرتِه وكمالِ حكمتِه ما لا يحيطُ به البيانُ وقيل: النجومُ نجومُ القرآنِ ومواقعُها أوقاتُ نزولِها وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} اعتراضٌ في اعتراضٍ قُصدَ به المبالغةُ في تحقيق مضمونِ الجملةِ والقسيمةِ وتأكيدِه حيث اعترضَ بقوله وإنه لقسمٌ بين القسمِ وجوابِه الذي هُو قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ} أي كثيرُ النفعِ لاشتمالِه على أصولِ العلومِ المهمةِ في صلاحِ المعاشِ والمعادِ أو حسنٌ مرضيٌّ أو كريمٌ عند الله تعالى وقوله تعالى لو تعلمونَ وُسّط بينَ الموصوفِ وصفتِه، وجوابُ لو إما متروكٌ أريدَ به نفيُ علمِهم أو محذوفٌ ثقةٍ بظهورِه أي لعظمتموه أو لعملتُم بموجبهِ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5